أوصت دراسة "مشكلات الأم العاملة في رعاية أطفالها" والتي أجرتها إدارة المعرفة في دائرة الخدمات الاجتماعية في الشارقة، للتعرف على الأوضاع والتحديات التي تواجه أدوار الأم العاملة نحو رعاية الأطفال وتنشئتهم والمحافظة عليهم من أي أخطار يتعرض لها الطفل نتيجة غيابها لساعات طويلة في العمل، بضرورة إنشاء دور حضانة في الأحياء السكنية (حضانات منزلية لغير العاملات) لرعاية أبناء الأمهات العاملات فترة عملهنَّ، ممَّا يُدر دخلاً لفئة تحتاج للعمل من خلال حضانة مرخصة وفق اشتراطات معينة، حيث تم رفع مقترح (الحضانات المنزلية) للجهات المسؤولة. كما أوصت الدراسة والتي شملت 169 من الأمهات العاملات في الدوائر الحكومية بإمارة الشارقة، وأعمارهنَّ أقل من 40 سنة ممَّن لديهن أطفال في مرحلتي الطفول المبكرة والمتوسطة، بزيادة عدد الحضانات في مقار العمل لمواجهة نقص القدرة الاستيعابية لدى الحضانات الأخرى الخارجية المتاحة خارج مقر العمل، كما بتحديد سقف أسعار الاشتراك في دور الحضانات، وأن تحتسب وفق الخدمات التي تقدم في كل دار حضانة، وذلك لتخفيف العبء المادي على الأسرة جرّاء ارتفاع أسعار الاشتراك. وأوصت الدراسة والتي تم تطبيقها خلال العام المنصرم 2022م، بنظام العمل عن بُعد للأم بعد فترة إجازة الوضع لحين إكمال طفلها لعامِّه الأول، وذلك لحاجة الطفل في هذه المرحلة للرضاعة الطبيعية. تتضح أهمية الدراسة الحالية من واقع أهمية كلا الطرفين التي تناولهما الدراسة وهما الأم والطفل، حيث إنَّ ما تعيشه الأمهات بصفة عامة والعاملات منهنَّ على وجه الخصوص من تحديات تواجه مسؤولياتهن، يُعدُّ قضية محورية لانعكاس آثارها على الأبناء، وتوصيف وضع الأمهات العاملات والتحديات التي تواجهنَّ في رعاية أطفالهن خلال فترة تواجدهن في العمل، ومعرفة ما هي البدائل المعتمد عليها ومدى ملائمتها في رعاية أطفالهن خلال فترة تواجدهن في العمل وكذلك المشكلات، كما رصدت الدراسة احتياجات الأمهات العاملات لوضع البرامج والتدخلات لدعمهنَّ في رعاية أطفالهن، والحد من سلبيات غيابهن عن الأطفال أثناء العمل. علما أن أغلب عينة الدراسة من المتزوجات و بنسبة (93.4%)، بما يشير إلى أن تلك الفئة من الأمهات مازال لديهن أدوار ومسؤوليات متعددة كزوجة وأم وربة منزل، وبالإضافة إلى أي أعباء أخرى تجاه عائلتهن الأصلية ممَّا يمثل عبئا على الأم العاملة في التوفيق بين عملهنَّ وبين أعبائهن الأسرية والعائلية والمنزلية والأهم أعباء رعاية وتنشئة أبنائهن. ونسبة المطلقات نحو 5.7%، وجميعهن من المواطنات، حيث أغلب عينة الدراسة للأمهات العاملات من حاملات الجنسية الإماراتية بنسبة 78.3%، وغير الإماراتيات بنسبة نحو 21.7%. وغالبية الأمهات بمؤهل جامعي (71.2%).. وأشارت تحليلات خصائص عينة الدراسة أن أغلبية الأمهات عينة الدراسة يعيشون في أسرة نووية وذلك بنسبة 75.5%، في حين 24.5% منهن يعيشون في أسر ممتدة، ما يوضح أثر العيش في الأسر الممتدة مقارنة بالعيش في أسرة نووية لإمكانية أن تحصل الأم العاملة والتي تعيش في أسرة ممتدة على مساندة الأهل في رعاية الأبناء لوجود أشخاص من الأسرة في المنزل فترات خروجها للعمل، ما يقلل من أضرار المربيات على الأطفال ودرجة التعرض لمخاطر العنف أو الإيذاء على عكس الأم التي تعيش في أسرة نووية والتي قد تضطر في بعض الأحيان على ترك أطفالها مع المربية دون رقابة لمعيشتها في معيشة مستقلة. وبالنسبة لنظام عمل العينة فأغلبهنَّ يعملن في مواعيد الدوام الرسمي الصباحي بنسبة 91.5%، وهذا من الممكن أن يقلل من أعباء رعاية الأبناء لتوافقه مع أوقات الدوام المدرسي في أثناء العام الدراسي للأطفال الملتحقين بالتعليم، وكذلك لمن لديها أبناء أصغر من سن الدراسة فقد تجد له حضانة ينتسب إليها خلال الفترة الصباحية، أما 8.5% من الأمهات يعملن بنظام مناوبات متغيرة، وهذا من شأنه أن يخلق توترا لدى الأم العاملة وفي كيفية رعاية أبنائها خلال الفترات المسائية للعمل، لعدم وجود حضانات خلال هذه الفترة، ولا مدارس لاحتواء أبنائها، لذلك في الغالب تترك رعاية الأطفال الصغار لدى المربية أو لدى الأخت الأكبر في المنزل، أو تتركهم بصحبة الأب. 8 ساعات غياب بعد التعديل ورصدت الدراسة أنّه مع تطبيق نظام العمل الجديد بإمارة الشارقة والذي يبلغ عدد ساعات العمل اليومي نحو (8) ساعات، أصبح غياب الأم اليومي عن الأطفال نحو (8 ساعات و54 دقيقة)، أي ما يقارب نحو (9) ساعات يومياً، وهو وقت ليس بالقصير لغياب الأم عن الأطفال ممَّن لم يلتحقوا بالتعليم بعد. أما الدافع الأساسي لعمل المرأة لأغلب عينة الدراسة كان رفع دخل الأسرة وتلبية احتياجاتها بنسبة 81.5%، وكانت النسبة الأعلى لدى الأمهات العاملات من المواطنات، بهدف الارتقاء بدخل الأسرة والقدرة على تلبية احتياجاتهم المتزايدة، والدافع الثاني هو لكون المرأة ترى أن العمل حق لكل إنسان وترغب في الحصول على حقها هذا، وأن تستكمل اقتناص حقوقها في التعليم والعمل وإشباع طموحهنَّ الوظيفي. بينما يأتي الدافع الثالث تحقيق الاستقلالية المالية ويأتي كلاً من الدافعين الرابع والخامس بدعوى الشعور بأهمية دورها في الحياة. وأخيرا، يليه الدافع الشعور بقيمة الذات والسعي لاستثمار ما حققته المرأة من تعليم. وجاء في الدراسة، أن نحو ثلثي العينة أشاروا لكفاية الدخل لتلبية كافة احتياجاتهم الحياتية سواء الأساسية أو التكميلية، بل أن نحو 21.8% منهنَّ يدخرون أيضاً من دخلهم بما يشير لوجود فائض في الدخل يفوق احتياجات المعيشة، على جانب آخر هناك نحو ثلث عينة الدراسة أشاروا لعدم كفاية الدخل بدرجة محدودة أو درجة كبيرة، وهذا المؤشر يشير إلى مدى أهمية دخل الأم العاملة للأسرة في المساهمة في دخل الأسرة بدرجة قد لا يمكن الاستغناء عنها وهو ما يشير إلى كم الجهود اليومية التي تقدمها الأم العاملة لها ما قد يبررها خاصة مسؤولياتها نحو أبنائها وأسرتها وبيتها. وفي محور الوقت الذي تدع الأم فيه أولادها مع المربية خلال فترة عملها فجاءت النتيجة أن المربية هي من تقوم بالاهتمام بالطفل ورعايته لساعات طويلة أي ما يقارب (9) ساعات يوميا، وهنا تأتي الخطورة في الاستعانة بالمربيات في رعاية الأطفال ولساعات طويلة خاصة لمن يبقون أطفالهن وحدهم مع العاملة المنزلية قد ينجم عنه الكثير من المشاكل الاجتماعية والتربوية والسلوكية، ما ينتج عنه الآثار السلبية التي انعكست على الأطفال الذين يتم ترك رعايتهم لدى المربية على النحو التالي: مشكلات متعلقة باللغة والنمو اللغوي لدى الطفل بنسبة 49.8%، والشعور بافتقاد الطفل لحنان الوالدين بنسبة 40%، واكتساب الطفل لعادات تختلف عن عاداتنا31.4%، وتعرضه للعنف من جانب المربيات 31%، وحدوث خلل في المعتقدات الدينية والعبادات لدى الطفل بنسبة 29.5% كما تعرضه لتحرشات جنسية بنسبة 25.1%. كما جاءت استعانة الأمهات بدور الحضانة في المرتبة الثالثة كخيار لرعاية أطفالهن خلال فترة تواجدهن في العمل بنسبة نحو 22%، وهذا التوجه يعتبر الإجراء الأقل سلبية. وبالإشارة للجانب الاقتصادي لتكلفة إلحاق الأطفال بدور الحضانة تبين بأن 63.6% من الأهل يقومون بالدفع الشهري لرسوم التسجيل في الحضانة، بينما هناك نحو 27.3% يكون الدفع فيها بالفصل الواحد، كذلك فهناك نحو 9.1% يقومون بالدفع اليومي، حيث تأتي هذه الرسوم التي من شأنها أن تمثل عبئا على ميزانية الأسرة خاصة وإن كان خروج المرأة للعمل بدافع رفع المستوى المعيشي للأسرة، مما اضطرها للبحث عن بديل لرعاية أطفالها ولجوئها لدور الحضانة. تشير نتائج تحليل الوضع القانوني لدور الحضانة بالشارقة إلى أن أغلب الأمهات يحرصن على أخذ أطفالهنَّ لدور الحضانة المرخصة بنسبة 95%، وهذا من شأنه أن يزرع الطمأنينة في نفسها على وجود طفلها في مكان مرخص وتكون عليه رقابة من جهة رسمية، على عكس البعض منهنَّ فقد اضطر نحو 5% من السيدات إلى وضع أطفالهن في دار حضانة غير مرخصة. المشكلات مع الحضانات جاءت أعلى مشكلة واجهت الأمهات العاملات حول ارتفاع رسوم الاشتراك في دور الحضانة والتي تثقل ميزانية الأسرة كما أشار بذلك نحو 60% من العينة، حيث تتباين قيمة الاشتراك ما بين دور الحضانة المختلفة بحسب المزايا والبرامج التعليمية فيها وكلما زاد الاهتمام بتقديم الأفضل كلما زادت الحاجة لتوظيف كوادر وموارد أكثر وبالمقابل زاد مبلغ الاشتراك في الحضانة. كذلك فإنَّ من المشكلات التي واجهت الأمهات العاملات هي مشكلة تكرار مرض الطفل والتي جاءت بنسبة 40% من إجمالي استجابات العينة، بسبب الاختلاط مع الأطفال الآخرين، ممَّا يسهل انتقال العدوى بين الأطفال. على الرغم من تلك المشكلات التي تواجه الأمهات العاملات ممَّن يتركن أطفالهن في دور الحضانة فإنَّ هذا لا يلغي أهمية وجود الحضانات والدور الكبير الذي تلعبه في رعاية الأطفال فقد قللت من المشكلات التي تعاني منها الأم العاملة وخصوصاً لدى دور الحضانات التي تكون في مقر العمل أو قريبة جداً حيث يكون الطفل قريب من الأم ويوفر عناء البحث عن حضانات قريبة من مقر العمل لتوفير وقت الوصول للعمل، ووفق إحصاءات وزارة الشؤون الاجتماعية. التغيرات السلوكية للأطفال الملتحقين بدور الحضانة وجاءت الآثار الإيجابية من خبرة الأطفال خلال فترة تواجدهم بدار الحضانة على النحو التالي: الطفل صار أكثر تواصل وإقامة للعلاقات الاجتماعية مع الأقران والمشرفات بنسبة 27.8%، وأصبح يتناول وجباته بمفرده كما أشار بذلك نحو 5.6%. أما الآثار السلبية فأبرزها أن الطفل صار أكثر عدوانية كما أشارت بذلك نحو 16.7% بعد التحاقه في دور الحضانة. وأشار نحو 16.7% أن الطفل صار أكثر كرهاً للحضانة، وصار كثير البكاء نظراً لاحتمالية شعوره بالخوف عند انفصاله عن أمه. وأخيراً أشارت 5.6% إلى اكتساب الطفل لبعض السلوكيات السلبية. الأطفال في رعاية المربيات أشارت نحو 79.5% من الأمهات اللواتي يعتمدن على المربيات أنهنَّ يتركن أطفالهنَّ بصحبة المربية فقط. وتكمن الخطورة هنا بالممارسات التي من الممكن أن تقوم بها المربية في عدم وجود أحد أفراد الأسرة، فقد يتعرض الطفل للعنف أو قد يتأثر ببعض المعتقدات الدينية لدى المربية خاصةً إن كانت غير مسلمة، أو قد تتأثر لديه اللغة لكون أغلب المربيات يتحدثن باللغة الإنجليزية أو العربية الركيكة. في حين أن فقط 7.7% من الأمهات اللواتي يعتمدن على المربية لرعاية الطفل أثناء غيابها في العمل هنَّ فقط من يتركن الطفل بصحبة المربية، لكن في وجود الأب للطفل أو أحد أخوته، بينما هناك 10.3% من نفس تلك الفئة من الأمهات هنَّ اللواتي يتركن الطفل بصحبة المربية في وجود أحد الأقارب، وهو ما يحدث غالباً في الأسر الممتدة التي يعيش فيها أسرة الأم في منزل عائلة الزوج أو منزل عائلتها هي في بعض الأحيان. وبينت الدراسة أن الأمهات العاملات اللواتي يتركن أطفالهن في معية المربيات يحرص بعضهن على الرقابة على المربيات بعدة وسائل مختلفة، حيث إن أكثر الأمهات تتبع نظام الاتصال المتكرر بنسبة 88.1% للاطمئنان على الطفل وعلى وضعه في المنزل، كما وأن هناك من تتابع أطفالها عبر كاميرات المراقبة كما أشار بذلك نحو 35.7% من تلك الفئة من الأمهات للتأكد من طريقة معاملة المربية للطفل ومدى اهتمامها ورعايتها له، واختارت بعضهنَّ أن تكون رقابتها من خلال العودة إلى المنزل بشكل مفاجئ كما تفعل نحو 9.5% من تلك الفئة من الأمهات بهدف الاطمئنان على وضع الطفل في غيابها ومشاهدة ما يحصل في منزلها أثناء وجودها بالدوام. أما رعاية الأقارب للأطفال خلال فترات عمل الأم فبينت الدراسة أن 66.7% منهنَّ يتركن أطفالهن في رعاية الأقارب وهو أمر من شأنه أن يقلل القلق والخوف على الطفل من جرّاء تركه مع المربية لوحدهما، ومن شأنه كذلك أن يقلل من مصاريف تسجيله في الحضانة، كما وأنَّه أكثر أمناً للطفل من التعرض لبعض الأمراض المعدية في الحضانات (40%)، وعلى جانب آخر فإنَّ نحو 22.2% من الأقارب يهتمون بمتابعة رعاية المربية للطفل بشكل تام، ويقلل من خطورة تعرض الطفل لأي من الانتهاكات أو التعنيف الذي يمكن أن يتعرض له الطفل لو كان بمفرده بصحبة المربية.